كان أبي دائماَ يحذرني من السرقة ..
سرقة
المال والخبز وحليب الأطفال ...
ممنوع
أن أسرق .. أي شيء..
حتى
"نبقة" من سدرة الجيران أو دومة ..
أو
صمغة من طلحة أليفة في قرية "العرَداية" ..
أو
لحاية من ساق أبنوس تكسوه سمرة وطن ..
أو
حتى "جريوة" من تبلدية تغني للبلد ..
أو
"دليبة" مجروفة وصلت لجبال الدائر بمياه المطر..
******
وهل
ممنوع علي أن أسرق وردة ساجدة في بركة مطر ..
أو
قمرية تحضن بيض الخريف ..
أو
حمامة تغني للسلام .. وأخرى تدندن للصغار في غابات "الأماتونج" ..
أحرام
أن أسرق حروف تزرع الأمل للصغار.. وتبدد دموع الذكريات الأليمة ..
أو
تزرع للحياة ألف بذرة وبذرة ؟؟ا
******
لكني
الآن فقط بدأت أسرق.. وأسرق .. وحتى لا أغتاب ثقة أبي .. لأنه يبعدني ألف ميل،
وميل .. وحتى لا أجرح أمانته وثقته ، أكتب إليه رسالة:
وأقول
: الآن فقط بدأت أسرق .. ولكني لن أسرق حليب الأطفال .. ولا أحذية اليتامى
والأرامل .. ولا طعام الملايين .. من الحفاة والعراة من أهلي في رمال الصحراء
وحشيش الغاب ..
لن
أسرق حقن الملاريا والأنسولين ولا براءة الأطفال الذين ولدوا تحت ظلال السدر
والسيال..
أطمئن
هذا الرجل العظيم (أبي) بأنني لن أسرق أكاليل الفرح .. أو أزجر الطير إلى ديار
الأحبة..
ولن
أذبح الحمائم الصادحة بترانيم السلام .. أو أدفن "عِداد" المياه أو
"مشايش" السروف..
******
نعم
بدأت أسرق .. ولكني أسرق الجمال والحب لأنك يا أبي ..
علمتني
الأناشيد الجميلة ..أيام الفرح الجميل ..
والآن
ضاعت قيثارتي .. وتكسرت ربابتي .. ومعها تكسر الكل:
طبولي
.. وقنانة مدادي .. ولوح الأبنوس وسن القلم ..
لذا
بدأت أسرق .. أسرق جمال الحروف والكلمات .. من الذين يكتبون للبوح الجميل..
يكتبون
للرجال والنساء الذين صنعوا التاريخ .. ومعه صنعوا الكل:
الجمال
.. والحب .. والسلام..
أسرق
الحب لأنشره .. ولأرسم بسمة في وجه الغلابة ..
وأبني
كوخاً يضيء للتائهين .. وأزرع بذرة لألف طفل وطفل ..
ولأني
اعترفت.. وبُحتُ بالحقيقة الجميلة..
فاسمحوا
لي أن أسرق حروفكم وكلماتكم ..
ولأني
أحبكم .. سأملأ فضاءات قلبي بأغنياتكم الجميلة
توقيع كملاوي 2008م